حكم الشراكة في مشروعٍ ربوي |
قال تعالى

﴿الشيطان يعِدُكم الفقر﴾[البقرة:٢٦٨] الخوف من الفقر من أهم أسلحة الشيطان، ومنه استدرج الناس إلى أكل الحرام، ومنعهم من الإنفاق الواجب .

قال صلى الله عليه وسلم

«خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»

في الموقع

قسم فريد يحتوي سور القرآن الكريم بأصوات العديد من القراء فتصفح واستمع و انشر كتاب الله وآياته

قال تعالى

﴿وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا﴾[البقرة: ٢٦٨] قدَّم المغفرة لأنها أغلى جائزة، وهي مفتاح باب العطايا التي تحول دونها الذنوب.

[star_rating themes="flat" id="17184"]

الفتوى رقم: ١٩٨
الصنف: فتاوى المعاملات المالية
في حكم الشراكة في مشروعٍ ربوي

السؤال:
أنا شابٌّ بطَّالٌ ذو مستوًى جامعيٍّ، ومنذ انتهاء دراستي وأنا أبحث عن وظيفةٍ، فاقْتُرِحَ عليَّ مشروعُ شراكةٍ مع عمِّي في وحدةٍ للعتاد الفلاحيِّ، فأمضَيْتُ على العقد دون الاستعلام عن كيفية العمل، وكُلُّ ذلك ابتغاءَ مرضاةِ والِدَيَّ، ثمَّ تَبيَّنَ لي ـ بعد ذلك ـ أنَّني أَسْتفيدُ مِنْ عتادٍ بقيمةِ: (٤٠٠) مليون سنتيم مِنْ شركة «سالم» حيث تُسْهِمُ الدولةُ ﺑ: (٥٠%) مِنْ قيمة العتاد التي هي (٢٠٠) مليون سنتيم، تُدْفَعُ مُباشَرةً لشركة «سالم» بدونِ زيادةٍ ربويةٍ، ويبقى مِنْ قيمة العتاد (٢٠٠) مليونٍ تُسْهِمُ بها نَفْسُ الشركة، والتي تَشْترط زيادةً ربويةً ﺑ: (٨%) أي: (١٦) مليونًا أي: أبقى مَدِينًا ﺑ: (٢١٦) مليونًا لشركةِ «سالم» تُسدَّدُ في (٥) سنواتٍ؛ فهل يُعْتبَرُ هذا رِبًا؟ فإِنْ كان كذلك فأحيطكم علمًا أنِّي لم أَسْتفِدْ ـ بَعْدُ ـ مِنْ هذا المشروع، ولكنَّه في الخطوات الأخيرة، وذلك بعد مُضِيِّ (٨) أَشْهُرٍ مِنْ إيداع هذا المِلَفِّ بِاسْمي، فهل عليَّ ـ إذا أتمَمْتُ الخطواتِ وتمَّتِ الاستفادةُ ـ أَنْ أَتَخلَّصَ مِنَ العتاد أم لي أَنْ أَتنازَلَ عن الملكية وأتركَ عمِّي وأهلي يعملون به لكي لا يلحقني منهم مَشاكِلُ ويشتدَّ التوتُّرُ والنزاع؟ وبارك الله فيكم وفي عِلْمِكم.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فاعْلَمْ أنَّ المشروع الذي أَقْحَمْتَ نَفْسَك فيه ربويٌّ بلا شكٍّ؛ لاشتراط الزيادة عند العقد، و«كُلُّ عَقْدٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ رِبًا»، وأنَّ التقصير في السؤال لمعرفة صفةِ العقد قبل الشروع فيه لا يُعْفي مِنَ المسؤولية وترتُّبِ الإثم على الفعل، ولا يصلح التذرُّعُ بالجهل مع وجودِ مَنْ يعلم مِثْلَ هذا الحكم؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا؛ فَإِنَّمَا شِفَاءُ العِيِّ السُّؤَالُ»(١)، وهو صريحٌ كقوله تعالى: ﴿فَسۡ‍َٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣؛ الأنبياء: ٧]، وعلى أساسهما وُضِعَتْ قاعدةُ: «لَا يُقْبَلُ فِي دَارِ الإِسْلَامِ عُذْرُ الجَهْلِ بِالحُكْمِ الشَّرْعِيِّ».
هذا، والأصلُ في كُلِّ تصرُّفٍ ربويٍّ بطلانُه؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»(٢)، ويعود المتعاقدان إلى ما كانا عليه قبل التعاقد، لكِنْ إذا ما تمَّتْ خطواتُ العقد وامتنع الطَّرَفُ المُقْرِضُ مِنَ الفسخ والإلغاء، إمَّا لفواتِ الأوان أو لأسبابٍ أخرى تَمسَّكَ بها، لتأييدِ الحكم الوضعيِّ لمثلِ هذه الوضعية ـ بالنظر إلى غياب السلطة الشرعية ـ وأُلْزِمَ المُسْتقرِضُ بدفع الزيادة الربوية في كُلِّ الأحوال؛ صارَ ـ عند تَعذُّرِ وسيلةِ الإلغاء ـ مُجْبَرًا مِنْ جهةِ السلطة الزمنية على الالتزام بالعقد الربويِّ ولا خيارَ له، وإلَّا تَرتَّبَتْ عليه كافَّةُ التَّبِعات والعقوبات الماليةِ حالَ العدول عن الْتزامِه بتنفيذ مقتضى العقد المُبْرَمِ بينهما، علمًا أنه لا يجوز له ـ مِنْ جهةٍ أخرى ـ إتلافُ العتاد لأنه مِنْ إضاعةِ المال المنهيِّ عنه؛ فلم يَبْقَ ـ حالتئذٍ ـ إلَّا أَنْ يُصَحَّحَ له العقدُ ضرورةً لا دِينًا، وله أَنْ يَلْتزِمَ بما يحتويه العقدُ؛ فإِنْ قَدَرَ على دفعِ قيمة القرض دون الزيادة الربوية كان حسنًا، فإِنْ تَعذَّرَ عليه التخلُّصُ مِنْ تَبِعاتِ العقد إلَّا بدفعها فإنَّه يدفع الزيادةَ مِنْ غير رضًى منه اضطرارًا ـ وهو غيرُ باغٍ ولا عادٍ ـ فشأنُه ـ في هذه الحال ـ كمَنْ يدفع الضرائبَ والرسومَ المفروضة عليه ظلمًا وعدوانًا فيدفعها ـ وهو كارهٌ ـ.
هذا، ومع ذلك كُلِّه يبقى مُطالَبًا بالتوبة إلى الله عن فِعْله الأوَّل الذي انجرَّ عنه مِثْلُ هذا التصرُّفِ الممنوع شرعًا، وأَنْ لا يَسْتمِرَّ في إنشاء عقودٍ ربويةٍ أخرى، وطاعةُ الوالدَيْن إنما هي في المعروف لا في المعصية، وعليه أَنْ يُكْثِرَ مِنَ الاستغفار وعملِ البِرِّ والصالحات؛ ﻓ ﴿إِنَّ ٱلۡحَسَنَٰتِ يُذۡهِبۡنَ ٱلسَّيِّ‍َٔاتِ﴾ [هود: ١١٤](٣).
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٤ صفر ١٤٢٤ﻫ
الموافق ﻟ: ٦ أفريل ٢٠٠٣م
المفتي : أبي عبد المعزِّ محمَّد علي فركوس – المصدر : الموقع الرسمي للشيخ محمد علي فركوس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) أخرجه أبو داود في «الطهارة» بابٌ في المجروح يتيمَّم (٣٣٦) مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما. والحديث حسَّنه الألبانيُّ في «تمام المنَّة» (ص ١٣١) وفي «صحيح سنن أبي داود» (٣٣٦).
(٢) أخرجه مسلمٌ في «الأقضية» (١٧١٨) مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.
(٣) ويمكن مُراجَعةُ الفتوى رقم: (٢٣٥) على الموقع الرسميِّ الموسومة ﺑ: «في حكمِ مَن تاب بعد قرضٍ ربويٍّ لم يُرْجِعْه كاملًا».


لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *