مسألة الاستثناء في الإيمان مسألة الاستثناء في الإيمان
قال تعالى

﴿الشيطان يعِدُكم الفقر﴾[البقرة:٢٦٨] الخوف من الفقر من أهم أسلحة الشيطان، ومنه استدرج الناس إلى أكل الحرام، ومنعهم من الإنفاق الواجب .

قال صلى الله عليه وسلم

«خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»

في الموقع

قسم فريد يحتوي سور القرآن الكريم بأصوات العديد من القراء فتصفح واستمع و انشر كتاب الله وآياته

قال تعالى

﴿وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا﴾[البقرة: ٢٦٨] قدَّم المغفرة لأنها أغلى جائزة، وهي مفتاح باب العطايا التي تحول دونها الذنوب.

0.00

الفتوى رقم: ٢١٧
الصنف: فتاوى العقيدة – أركان الإيمان – مسائل الإيمان
في مسألة الاستثناء في الإيمان

السؤال:
هل معتقَدُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ هو الاستثناءُ في الإيمان، أم أنَّهم يمنعون الاستثناءَ فيه لكونه شكًّا في الإيمان؟ أفيدونا جزاكم اللهُ خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فقولُ الرجل: «أنا مؤمنٌ إِنْ شاء الله»، هو مذهبُ أهلِ السُّنَّة في مسألةِ الاستثناء في الإيمان، لكِنْ باعتبارِ كمال الإيمان وعدَمِ العلم بالعاقبة، لا باعتبارِ أصل الإيمان أو الشكِّ فيه، ومِنْ عُلَماءِ أهل السُّنَّة والجماعة مَنْ يرى التفصيلَ في هذه المسألة: فإِنْ صَدَرَ منه الاستثناءُ في الإيمان عن شكٍّ فيه ـ أي: الشكِّ في وجودِ أصل الإيمان وهو مُطْلَقُ الإيمان ـ فهذا محرَّمٌ، بل هو كُفْرٌ لصدورِه عن شكٍّ مُنَافٍ للإيمان المطلوبِ فيه الجزمُ والقَطْعُ بحصوله، أمَّا إِنْ صَدَرَ منه الاستثناءُ لا على وجهِ الشَّكِّ، وإنَّما خشيةَ الشهادةِ للنفس بتحقيقِ الإيمان المُطْلَق ـ أي: أنَّ المستثنِيَ يخاف تزكيةَ النفسِ باستكمال الإيمان ـ فهذا الاستثناءُ واجبٌ؛ تجنُّبًا مِنَ الوقوع في محذورِ تزكية النفس والشهادةِ لها بما يَخافُ أَنْ لا يكون متحقِّقًا فيه، أي: لا يدري أهو ممَّنْ يَستحِقُّ حقيقةَ الإيمانِ أم لا؟ وتجديدُ المشيئةِ منه وتَكرارُها في الخطابِ مطلوبٌ لمَنْ خاف تزكيةَ النفسِ والشهادةَ عليها باستكمال الإيمان بلا علمٍ؛ ولهذا لمَّا قِيلَ لابنِ مسعودٍ رضي الله عنه: «إِنَّ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ»، قَالَ: «فَاسْأَلُوهُ أَفِي الجَنَّةِ هُوَ أَوْ فِي النَّارِ؟»، فَسَأَلُوهُ فَقَالَ: «اللهُ أَعْلَمُ»، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ: «فَهَلَّا وَكَلْتَ الأُوْلَى كَمَا وَكَلْتَ الآخِرَةَ»(١)؛ ذلك لأنَّ جميعَ الطاعاتِ ـ عند أهل السُّنَّة ـ داخلةٌ في مُسَمَّى الإيمان، وهو متضمِّنٌ لفعلِ الواجبات؛ فلا يشهدون على أَنْفُسهم بالقيام بجميع الطاعات بما في ذلك الواجبات؛ فهذا المأخَذُ ـ مِنْ هذا الوجهِ ـ يقتضي وجوبَ الاستثناء، وإنَّما يكون في الأعمال المُوجِبةِ لحقيقة الإيمان، ولكِنَّ ذلك لا يمنع مِنْ تركِ الاستثناء إذا ما أُريدَ أصلُ الإيمانِ أو مُطْلَقُه.
أمَّا إِنْ كان يقصد بالاستثناء أنَّ ما حَصَلَ له في قلبه مِنَ الإيمان هو بمشيئة الله، أو أنَّه عَلَّقه على وجه بيانِ التعليل، أو قَصَدَ به التبرُّكَ بذِكْرِ المشيئة ونحو ذلك؛ فجائزٌ، وقد جاء التعليقُ بمشيئةِ الله في بعضِ النصوص على أمورٍ محقَّقةٍ، لا يعتريها شكٌّ على نحوِ قوله تعالى: ﴿لَتَدۡخُلُنَّ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمۡ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ﴾ [الفتح: ٢٧]، وفي قوله صلَّى الله عليه وسلَّم في زيارة القبور: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا ـ إِنْ شَاءَ اللهُ ـ بِكُمْ لَاحِقُونَ»(٢)، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ القِيَامَةِ؛ فَهِيَ نَائِلَةٌ ـ إِنْ شَاءَ اللهُ ـ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا»(٣).
هذا، وجديرٌ بالتنبيه أنَّ أصلَ مسألةِ الاستثناءِ أَحْدَثَهَا المُرْجِئةُ لِيَجِدُوا حُجَّةً على مقالتهم في الإيمان تشفع لهم صِدْقَ اعتقادهم، ووجهُ ذلك: أنَّ الرجل يعلم مِنْ نفسِه أنه ليس بكافرٍ، بل يَجِدُ قلبَه مصدِّقًا بما جاء به الرسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فيقول: أنا مُؤْمِنٌ؛ فيَحْرُمُ عليه الاستثناءُ مُطْلَقًا؛ ليثبت لهم أنَّ الإيمان هو عبارةٌ عن التصديق القلبيِّ فحَسْبُ(٤)، وأمَّا الكُلَّابية فقالوا بوجوب الاستثناء مُطْلَقًا، وقولُ كِلَا الطائفتين خطأٌ سواءٌ القول بتحريم الاستثناء مطلقًا أو بوجوبه مطلقًا، ومذهبُ الحقِّ هو الوسطُ بلا إفراطٍ ولا تفريطٍ، وهو مذهب السلف؛ فقَدْ أجازوا الاستثناءَ باعتبارِ كمال الإيمان وعدَمِ العلم بالعاقبة، ومَنَعوه باعتبارِ أصل الإيمان أو الشكِّ فيه(٥).
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
المفتي : أبي عبد المعزِّ محمَّد علي فركوس – المصدر : الموقع الرسمي للشيخ محمد علي فركوس

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) أخرجه أبو عُبَيْدٍ القاسمُ بنُ سلَّامٍ في كتاب «الإيمان» (٦٧)، والآجُرِّيُّ في «الشريعة» (١٣٩)، وابنُ بطَّة في «الإبانة عن شريعة الفِرْقة الناجية» (٢/ ٨٦٩).
(٢) أخرجه مسلمٌ في «الطهارة» (٢٤٩) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) أخرجه مسلمٌ في «الإيمان» (١٩٩) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.
(٤) انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٧/ ٤٤٨).
(٥) انظر تفصيلَ المسألة في: المصدر السابق (٧/ ٤٢٩ ـ ٤٦٠)، «شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العزِّ (٣٥١ ـ ٣٥٣).


لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

RSS قـراء مـديـنـة القل

يمكنكم الاستفادة من محتوى الموقع لأهداف بحثية أو دعوية غير تجارية جميع الحقوق محفوظة لشبكة القل الإسلامية