أعمال الرسول بعد قدومه المدينة :
بعد وصول الرسول – صلى الله عليه و سلم – شرع في وضع أسس لبناء دولة قوية فحدد كيفية تعامل المسلمين مع بعضهم و مع غيرهم و متن روابط المجتمع فجعل أخوة الدين فوق أخوة العرق و الدم ، فكان أول عمل قام به رسول الله – صلى الله عليه و سلم – في المدينة بناء المسجد كما في البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : بناه مسجداً و طفق رسول الله – صلى الله عليه و سلم – ينقل معهم اللبن في بنيانه و يقول و هو ينقل اللبن :
اللهم إن الأجر أجر الآخرة
فارحم الأنصار و المهاجرة
و هذا يدل على أهمية المسجد و مكانته في الإسلام و للمسجد مكانة عظمى و دور كبير في حياة الأمة فقد استخدمه النبي – صلى الله عليه وسلم – لأكثر من غرض منها إقامة الصلاة فيه و كانوا يعتبرون المتخلف عن المسجد منافقاً معلوم النفاق و قد روى مسلم عن ابن مسعود قال : ( لقد رأيتنا و ما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد علم نفاقه أو مريض إن كان المريض ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة ) ، و كان المسجد مدرسة و جامعة للتعليم ، فكان رسول الله – صلى الله عليه و سلم – يعلم الناس أصول الدين و فروعه ، و كان المسجد مركزاً لإيواء الضعفاء و الفقراء و العزاب ، و إنشاد الشعر في نصر الدعوة ، و مكان لاعتقال الأسرى حتى يشاهدوا المسلمين ، و مكان لعلاج المرضى ، و مركز لاستقبال الرسل و السفراء ، و مكان لعقد ألوية الجهاد و لقاء المسلمين بأميرهم و قائدهم .
و من الأعمال التي قام بها الرسول لبناء دولة قوية المؤاخاة ؛ فقد آخى الرسول – صلى الله عليه و سلم – بين المهاجرين و الأنصار فكانت هذه الآصرة أقوى من آصرة القبيلة و النسب حتى وصل بهم الحال إلى التوارث بينهم كما روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما ( و لكل جعلنا موالي ) قال : ورثة_ قال : كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجر الأنصاري دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى النبي – صلى الله عليه وسلم – بينهم ، فلما نزلت ( و لكل جعلنا موالي ) نسخت ثم قال : ( و الذين عقدت أيمانكم ) ، إلا النصر و الرفادة و النصيحة و قد ذهب الميراث و يوصي له ، و قد ضرب الأنصار أروع المثل في إكرام إخوانهم المهاجرين بل في إيثارهم على أنفسهم فشبههم الرسول مرة بالبنيان في قوة ترابطه و تماسكه ، و شبههم بالجسد الواحد في دقة الإحساس و سرعة المواساة ، و رغب بالقيام بحاجة المسلم و مساعدته و نصحه و إعانته في جميع أحواله ، بل إنه ساواه بالنفس في محبة الخير و كره الشر ، قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم – : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) ، و حذر من جميع الخصال التي توجب الفرقة و البغضاء و التباعد بين المسلمين و بذلك يكون الرسول – صلى الله عليه و سلم – مجتمعاً متماسكاً مترابطاً بجميع كياناته ليكون القاعدة الاساسية في الدولة المنشودة .
كما قام الرسول – صلى الله عليه و سلم – بمعاهدة اليهود الذين سكنوا المدينة لانتظار مبعث الرسول – صلى الله عليه و سلم – و لكن اليهود حسدوا العرب أن بعث فيهم رسول الله – صلى الله عليه و سلم – فكذبوه ، و عادوه ، مع معرفتهم التامة بصدقه ، و مع ذلك أبرم معهم رسول الله – صلى الله عليه و سلم – معاهدة جاء فيها : ( أنه من تبعنا من يهود فإن له النصر و الأسوة غير مظلومين و لا متناصر عليهم ، و إن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربي ، و أن لليهود دينهم و للمسلمين دينهم و مواليهم و أنفسهم ، إلا من ظلم نفسه وأثم ، فأنه لا يوتغ إلا نفسه و أهل بيته ، و أن على اليهود نفقتهم و على المسلمين نفقتهم ، و أن بينهم النصر على من حارب هذه الصفيحة، و أن بينهم النصح و النصيحة و البر دون الإثم ، و أنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث ، أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله و إلى محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و أنه لا تجار قريش و لا من نصرها ، و أن بينهم النصر على من دهم يثرب ، و أنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد، و أنه يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة ، و أنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم و لا آثم… )
فهذه الصحيفة التزم اليهود فيها بدفع قسط من المال في الحروب دفاعاً عن المدينة ، و إن المجرم ينال جزاءه من أي فريق كان ، و أن اليهود لا يخرجون من المدينة إلا بإذن رسول الله – صلى الله عليه و سلم – ، و اعتبرت المعاهدة حرم و الحرم لا يحل انتهاكه ، و المرجع الوحيد عند التحاكم هو رسول الله – صلى الله عليه و سلم – ، و منعت الصحيفة من إجازة قريش أو نصرها ، و على الرغم من هذه المعاهدة ووضوح بنودها و تحقيقها حياة آمنة مطمئنة لليهود في المدينة ، إلا أن اليهود ما انفكوا عن الكيد للاسلام و أهله ، كما قاموا بتدبير المؤامرات و الكيد للمسلمين في كل فرصة ينتهزونها ، فمرة يثيرون العداوة بين المسلمين و يذكرونهم بثاراتهم الماضية حتى كاد الأوس و الخزرج أن يقتتلوا ، و دعوا على النبي بالموت كلما لقوه ، و لا عجب في ذلك فهذا ديدنهم الكيد للإسلام و أهله منذ القدم و إلى الآن .
التعليقات
خربيطة
30 نوفمبر، 2016 الساعة 4:51 مساءًالحمد لله دوماً و أبداً
مصطفى خطاب
27 ديسمبر، 2016 الساعة 10:23 مساءًما شاء الله
شارك برأيك